تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تقبل الأخر: زهيرة فارس القاضي

المصدر
المركز الفلسطيني للإرشاد
الناشر
زهيرة فارس القاضي
السنة
2011
مقال حول موضوع تقبل الأخر

عند الحديث عن تقبل الآخر لا بد من تناول العديد من المعطيات، من هو الآخر، ماذا نعني بتقبل الآخر، من هو المسئول عن تقبل الآخر، وما هي المكاسب التي يحققها الفرد من تقبلة للآخر؟.

من هو الآخر ؟

هل الآخر هو كل ما يختلف عنا، أو نختلف عنه أو لا يشبهنا سواء من حيث اللون، الجنس، العادات، التقاليد، القيم، الفكر، التوجه السياسي والديني؟ وهنا هل يكون الآخر هو كل ما ليس أنا أو ما ليس نحن؟

ماذا نعني بتقبل الآخر ؟

تقبل الآخر يعني احترام الآخر وتقدير وتفهم ما لدية من مجموع المفاهيم التي ذكرت سابقا من أفكار وتقاليد وقيم الخ..... ، كذلك فإن تقبل الآخر يرتبط بتقبل الذات بكل ما فيها من قوة وضعف، فإذا تقبلت نفسي وذاتي  فلا شك أنني سأتقبل الآخرين.

هناك فهم خاطئ لدى الكثيرين من تقبل الآخر لاعتقادهم أن تقبل الآخر يعني الذوبان فيه وأن الفرد يمكن أن يخسر ما لديه وبالتالي يفقد انتمائه لذاته، وأنه سيعطي للآخر قيمة على حساب نفسه، وهذا بتقديري مفهوم ضيق ومحدود، أو أن الأخر يرتبط بالمجهول وهناك في معظم الأحيان تخوف من المجهول، وهو تخوف مشروع ولكن علينا أن ندخل عالم المجهول لكي يصبح معلوماً.

 ففي مرحلة المراهقة والشباب، يبدأ الفرد بالاستقلالية وتحقيق الذات، يبحث عن هويته الدينية، السياسية، الوطنية، الفكرية والجنسية، ويكون في الغالب متحيزا لمنظومة الانتماءات التي يبدأ في تكوينها، فإذا كانت هذه الفترة العمرية من الزمن تتميز بالتحيز، فكيف يمكن أن نساعد المراهق والشاب في أن يكون قادرا على أن يرى الآخر ويتعرف علية، بل ويمكن أن يوجه تحيزه لمنظومة الانتماءات، ويقويها وينميها من خلال تقبله للآخر.  

من المسئول عن تقبل الآخر؟

 يجب أن نعترف بان تقبل الآخر هي عملية تربوية بالدرجة الأولى لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعة، ويولد صفحة بيضاء كما تقول المدرسة السلوكية في علم النفس، وسلوكياته متعلمة، فتقبل الآخر هو سلوك متعلم يتربى الفرد علية من قبل المؤسسات التربوية التي تساهم في انتاجة إلى المجتمع، سواء العائلة الصغيرة من الأم والأب، من خلال كيف تربي أبناءها وما هي الأساليب التي تعتمدها في التربية، هل هناك حوار بين الأزواج وبين الأبناء، وكيف يحلون مشاكلهم، وما هي طرق التواصل بينهم، وهل تعتمد العائلة على المشاركة، والتعبير عن الرأي وإعطاء شرعية للاختلافات في الأراء؟ إذا كان الجواب نعم فإن هذا مقدمة الطريق إلى تقبل الآخر، بالإضافة إلى دور المؤسسات التربوية الأخرى كالمدارس، المؤسسات الدينية، الاجتماعية، الثقافية والأحزاب السياسية والتي تساهم في تشكيل شخصية الفرد ولها دور كبير في تربية مفهوم وثقافة تقبل الآخر، إذا اعتمدت في تربيتها نهج الاعتراف بالآخر، وانطلقت من مفهوم أن لا أحد يمتلك الحقيقة الكاملة، وبالتالي ليس هناك ما هو على صواب والآخرين على خطأ.

ما هي المكاسب التي يمكن أن تتحقق من خلال تقبل الآخر؟

عن طريق التواصل تتكون المعرفة ويزداد تبادل الخبرات وتغنى التجارب لدى الأفراد، وتزول الأفكار السلبية التي ترتبط بذهن الإنسان عن غيرة دون معرفته، ولكن إذا عرفت الآخر فإنك ستأخذ منه وسيأخذ منك فالعملية متبادلة والعلاقة ستكون علاقة تكافؤ فالمعادلة أنت وهو، وهو وأنت.

وهنا تكمن الإجابة في كيف يمكن أن أكون متحيزا لما لدي وأتقبل الأخر بل وأؤثر فيه ويؤثر في أيضا، فلكل فرد الحق في التحيز لما لديه، ولكن هذا لا يمنع من احترام ما لدى الآخرين وفهمه ورؤيته للأمور من منظور الآخر وتجربته، وبهذا يزداد الإحساس والشعور والتعاطف مع الغير، وهذا يعني جانب القوة في الذات، فالآخر لا يهددني، بل يكملني لأن ثقتي بما لدي كبيرة والأخر المجهول أصبح معلوماً بفضل معرفته والتقرب منه وفهمه، فالتاريخ يبين لنا أن الحضارة الإنسانية بنيت وقامت نتيجة تقبل الأفراد لبعضهم ونتيجة توجيه العقل البشري من خلال التقارب لما فيه خير لمصلحة الإنسان بعيدا عن التعصب الأعمى وتأجيج الصراعات وإلغاء الآخر الذي لا يمكن إلغاءه لأنه موجود. وبهذا يشعر الفرد بالرضا والتسامح والمحبة، ويبتعد عن الحقد والكرة وتزداد فرص النجاح وبالتالي تتحسن صحته النفسية.

اعتقد أن هناك العديد من المفاتيح التي يمكن أن توصلنا إلى تقبل الأخر ومنها أن نتربى على التسامح والمحبة واحترام الحرية الشخصية والخصوصية للفرد، وحرية الفكر والتعبير، وبهذا نكون مسئولين، فالمسئولية تتطلب من الفرد أن يحترم الآخرين ويتقبلهم.

وأخيراً ولأن الشباب هم اللبنة الأساسية لبناء المجتمع فلا بد أن تكون هذه اللبنة مطعمة بالتعددية والتنوع كي تكون متينة وقوية وداعم لهذا البناء.