الشباب بين الواقع والطموح
تعتبر مرحلة المراهقة من أهم مراحل التغيير في حياة الشباب، بحيث تبقى الذات في عملية تطور مستمر، وهنا فإن فهم المراهق لذاته في هذا العالم، وثقل نفسه بالمهارات العملية والاستعداد العاطفي هما عاملان أساسيان في هذه المرحلة. لذلك فإن المحيط الاجتماعي الداعم والآمن يعتبر عامل أساسي من أجل تطور المراهق ليصبح فرد صحي ومنتج.
يواجه المجتمع الفلسطيني عامة والشباب الفلسطيني خاصة واقع يومي مليء بالأحداث والتناقضات والناتج بالدرجة الأولى عن الاحتلال الاسرائيلي واجراءاته التي تخلق بيئة من العنف، القمع والحرمان، حيث يعتبر الشباب من أكثر الفئات تأثراً بهذا الجو القمعي.
إن تعرض الشباب للعنف والاستغلال في عمر مبكر يعوق قدرة الشاب على الاستقرار العاطفي، ويحد من إمكانيتهم على تبني فكر، انتماء وقيم تعزز هويتهم الذاتية والوطنية.
يضاف إلى ذلك المعايير الاجتماعية التي تقيد الشباب في ظل مجتمع فلسطيني أبوي، يعمل على تنميط وتأطير الفرد، حيث لا يعطى المراهق مجالات للخيار بل يحدده، لأن هناك اتجاهات واضحة للتوقعات منه. وهذا الواقع الاجتماعي السلطوي المنتشر في معظم إذا لم يكن في جميع انحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعتمد المجتمعات في بقاءها على الانصياع والامتثال للفكر والسلوك السائد ومنع الاختلاف، يؤدي إلى الاغتراب النفسي لدى الشباب في ظل ميولهم إلى التشكيك والطعن في حقائق معينة.
في استطلاع محلي لعام 2009، حسب تقرير لمنتدى شارك الشبابي، قال ثلث الشباب الفلسطيني فقط في عمر 18-24 سنة أنهم لن يخافوا من التعبير عن آرائهم بشأن موضوع سياسي، وقال ما يقرب من 40 بالمائة أنهم سيكونون خائفين في الغالب، وقال نحو 20 بالمائة أنهم سيكونون خائفين في بعض الأحيان.
ولعلنا شاهدنا في الآونة الأخيرة ظهور الربيع العربي وتمرد الشباب على هذا الواقع، حيث خرج الشباب مطالبين بالاصلاح الاجتماعي وحرية التعبير في جميع انحاء العالم العربي.
يعمل المركز الفلسطيني للإرشاد وبشكل كبير على مساندة الشباب الفلسطيني في دعواتهم للحصول على الاصلاح وحرية التعبير. فنشوء الشباب الفلسطيني في ظل مكونات اجتماعية قمعية يضعهم في مكان لا يوجد فيه مجال كبير يساعدهم على تطوير هويتهم الذاتية بالشكل الصحيح والمطلوب.
يحاول المركز الفلسطيني للإرشاد التصدي لهذا الواقع من خلال خلق بيئة آمنة للشباب وتشجيعهم على تنمية هويتهم الذاتية من خلال تطوير برنامج خاص بتمكين الشباب.
يعمل برنامج الشباب في المركز مع فئة الشباب من عمر (15-22) بهدف وقايتهم من الوقوع في مشاكل نفسية واجتماعية في المناطق الأكثر تهميشا. وهم الشباب/ات الذين يواجهون مشاكل اجتماعية، سياسية، اقتصادية وصحية على المستوى العائلي أثرت على سلوكياتهم، حيث أنها مؤشرات قوية لمشاكل نفسية واجتماعية وتحتاج الى تدخل وقائي.
ويهدف البرنامج الى تمكين الشباب/ات ببدائل العنف، مساعدتهم لبلورة هويتهم ووعيهم الذاتي وايجاد بدائل غير عنيفة لمواجهة صعوبات الحياة في المناطق الأكثر تهميشاً من خلال مجموعات شبابية مختلطة داعمة في منطقتي القدس ونابلس.
كما يعتمد البرنامج على تنظيم ورشات عمل حول قضايا تحددها مجموعات الشباب، تبادلات شبابية تناقش الهوية الوطنية والجولات والزيارات الميدانية للمؤسسات والمدن والقرى للوصل إلى أكبر قدر من الشباب.
وبالاضافة إلى العمل المباشر مع الشباب، يستهدف المركز أباء وأمهات الشباب لتوعيتهم حول حاجات الشباب وآليات التعامل معهم في مرحلة المراهقة، من خلال المجموعات والمحاضرات والأنشطة المختلفة.
يعزز برنامج تمكين الشباب قيم وفلسفة المركز بالعمل الشمولي مع الفئات المختلفة، بحيث يتم تقديم الدعم الاجتماعي الشمولي من خلال العمل مع الشباب أنفسهم، اولياء الأمور والمجتمع المحيط (المدرسة وغيرها)، وبالتالي مساعدة الشباب على تكوين هوية صحية تناسب احتياجاهم، ليستمروا في تشكيل مستقبل أفضل وأكثر اشراقاُ.